6- المربي نور دائم الإشعاع وهو مرآة لاخوته و(المؤمن مرآة المؤمن)15 والمربي ينعكس صفاؤه على اخوته ويفيض عليهم مما آتاه الله فتكون مرآته التربوية ممتصة لكل العوالق والشوائب ؛ مبدلة لها بكل جميل من الخلق والسلوك والفكر والعمل ؛ قال ابن القيم : مياه المعاني مخزونة في قلب العالم يفتح منها للسقي سيحا بعد سيح ويدخر أصفاها لأهل الصفا فإذا تكاثرت عليه نادى للسبيل ، وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: (ما سُئل صلى الله عليه وآله وسلم شيئا إلا أعطاه فجاء رجل وهو صفوان بن أمية فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر)16 ؛ فأبدل كفر الرجل بالإيمان وأعطاه عطاء من لا يخشى الفقر ، وربما طوى جائعا ، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع صلى الله عليه وآله وسلم17.
والتربية علم لا يشرح بلحظات وكل موقف تربوي يجب أن لا يضيع ، وراعي الأسرة عليه أن يدرك كيف يستثمر المواقف ونذكر باختصار على أن نعود إلى الشرح المفصل في خطب قادمة ؛ نذكر أن من نعلمه أو نربيه ترتبط
نتيجة ما نلقيه إليه بعدة عوامل منها:
1- الاستعدادات العقلية ودرجة النضج وكما يقول ابن مسعود رضي الله عنه : (ماأنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)18، والخبرة المنقولة يجب أن تترافق مع النضج عند المتلقي وإلا سبَّبَ ذلك الإحباط أحيانا.
2- يجب مراعاة الاستعدادات النفسية وما يثيره الموقف التعليمي من دوافع وحاجات وميول فإلقاء أمور مناسبة للراشدين قد لا تنفع للمراهقين وما يناسب المراهقين لا يصلح للأطفال ، وعلى المربي أن يدرك خصائص كل مرحلة من مراحل العمر.
3- لا يمكن للمتربي التلقي إلا في حال الشعور بالثقة بمن يربيه ، والإحساس بالأمن الداخلي معه وإلا سبب الأمر قلقا نفسيا يمنع من الاستفادة والتلقي والالتزام.
4- يجب تفهم البيئة المحيطة بالأفراد الذين نربيهم فمن عائق تربيته هو الترف والدلال يختلف وضعه عمن عائق تربيته هو القلة والحرمان ؛ عمن عائق تربيته هو التنطع والقسوة ؛ عمن عائق تربيته هو الانحراف المحيط والفساد
5- يتأثر الفرد تأثرا شديدا بإخلاص المربي وحماسته لمبدئه وموضوعيته في طرحه ، وعلى المربي أن يكون مثالا صالحا في كل ما يطرحه.
6- التربية هي بلوغ الأمر كماله بالتدريج وبالتالي فان الثمار التربوية لا تؤتي أكلها مباشرة وقطفها قبل نضجها يدعها فجة والثمرة المقطوفة قبل نضجها لا يمكن إرجاعها ولا الاستفادة منها ؛ فرحم الله من صبر ؛ قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)19.
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.
الإحالات :
1- ص 29.
2- النساء 1.
3- الأنبياء 76.
4- هود 46.
5- التحريم 10.
6- البخاري ، الجمعة 893.
7- يس 27.
8- البخاري ، التيمم 335. واللفظ للضياء المقدسي في المختارة.
9- النساء 65.
10- البخاري ، الأدب 5997 ، ومسلم ، الفضائل 2317.
11- مسلم ، الفضائل 2363.
12- يس 21
13- الترمذي ، العلم 2686 ، وقال حديث حسن غريب.
14- أقدم من أشار إلى ذلك أبو معشر السندي (ت171هـ) بدون إسناد (فتح الباري 7/393) ؛ والواقدي في المغازي 2/445 بدون إسناد ، وابن هشام في السيرة 2/224 ؛ نقلاً عن:
- أكرم ضياء العمري ، السيرة النبوية الصحيحة ، المدينة المنورة ، مكتبة العلوم والحكم ، ط6، 2/420.
15- أبو داود ، الأدب 4918. وهو حسن الإسناد.
16- مسلم ، الفضائل 2312. واللفظ لأحمد.
17- الترمذي ، الزهد 2371 ، قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وله شاهد في مسلم ، الأشربة 2040 ؛ بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعصب على بطنه عصابة من الجوع.
18- أثر موقوف على عبد الله بن مسعود ذكره مسلم في مقدمة صحيحه.
19- لقمان 24.